رواية ظنها دمية بين أصابعه (الفصل الخامس عشر) بقلم سهام صادق
خرجت من شفتي عزيز لا يستوعب ما صار عليه في حضور تلك الفتاة.
ألقى الأوراق التي التقطها منذ لحظات على طاولة مكتبه بإهمال ثم أعاد زفر أنفاسه بقوة.
مسح نائل شفتيه بالمحارم الورقية بعدما تناول وجبة فطوره فأسرعت زينب بحمل الصنية من أمامه واتجهت نحو المطبخ لتضعها به ثم عادت إليه بحبة الدواء وكأس الماء.
قالتها وهي تلتقط منه كأس الماء وكادت أن تغادر غرفته لتهرب من ذلك السؤال الذي يسأله لها منذ أيام.
توترت زينب من سؤاله فكل يوم تخبره بنفس الجواب وجدها
ليس بالرجل الذي تستطيع إخفاء شئ عليه.
_ أوعي تقوليلي إنك النهاردة كمان أجازة عشان تراعيني ومديرة المدرسة متفهمه الأمر...
فركت يديها وخرجت الكلمات منها بتقطع فها هي كذبه أخرى اختلقتها.
_ أصلهم قالولي لما نحتاجك هنطلبك...
هز نائل رأسه لها وقد تجلى الحزن في حدقتيه.
_ اطفي نور الأوضه واقفلي الباب وراكي يا زينب.
حدقت زينب به بنظرة حزن وأسرعت بتنفيذ ما أمرها به.
أغلقت الباب ورائها لتطلق بعدها سراح دموعها.
لا حيلة لها في أمرها.
كتمت صوت بكائها بكف يدها و ابتعدت عن غرفة جدها بعدما طالعت باب الحجرة المغلق.
_ سامحني يا جدو... سامحني إني كذبت عليك.
استمرت عيني نائل عالقة بسقف غرفته وما زال حديث ابنه يتردد صداه داخل أذنيه...لا يصدق أن هشام صار بهذه القسۏة... لقد ظن أن الزمن طوى صفحات الماضي وغفر له أولاده خطأ وقع به عندما أطاع رغبة فؤاده.
تنهيدة طويلة خرجت منه لقد أحب زينب رغما عنه... أحب الفتاة المكافحة التي تسعى لمساعدة والدتها ليستطيعوا العيش...
تمتم حديثه بمرارة وأغلق جفنيه ليستعيد تلك الذكريات التي جمعته بها...
رنين هاتفه الذي يضعه أسفل وسادته أخرجه من ذكرياته... ليسحبه من أسفل رأسه وسرعان ما كان يغلقه ويعيده أسفل وسادته مرة أخرى.
نظر هشام إلى هاتفه بعدما ألغى والده المكالمه أعاد الإتصال به ليجده أغلق هاتفه.
أسرع بالتقاط هاتفه مرة أخرى وقد تجهمت ملامحه فوالده لا يجيب على مكالماته وإذا زاره يتعلل بالنوم ولا يحادثه.
نهض من مقعده وتحرك بغرفة مكتبه بضجر وعلى لسانه يتردد التوعد لها.
_ كل ده عشان تردي.
صاح بها هشام وقد ارتجفت يدي العامل الذي دلف له بفنجان القهوة.
زفر هشام أنفاسه بقوة وانتظر مغادرة العامل الذي تساءل وهو يخفض رأسه.
انصرف العامل بعدما أشار له هشام بالمغادرة ثم عاد لتجهمه وارتفع صوته مجددا بنبرة قاسېة.
_ قولتي لسيادة اللواء إيه ما أنا عارفك يا بنت أسامة... مش هترتاحي غير لما تفرقي العيله... ما هي جدتك زمان عملت كده... عضت ايد الست اللي فتحت ليها بيتها واكرمتها لكن أقول إيه الحثاله لازم يعضوا أيدين أسيادهم.
لم يعطيها هشام فرصة للدفاع عن نفسها ولا عن تلك المرأة التي تحمل اسمها وقد أصبحت ذكراها تحت التراب.
_ روحي اطمني على سيادة اللواء وشوفي مش بيرد عليا ليه.
صب هشام جام غضبه عليها كعادته ثم أطلق زفيرا قويا واتجه إلى مقعده خلف مكتبه الذي وضع وراءه على الجدار صورة ضخمة حملت
وإذا حكمۡتم بیۡن ٱلناس أن تحۡكموا۟ بٱلۡعدۡلۚ .
حرك رابطه عنقه قليلا ليخفف من تقيدها حول عنقه ثم التقط فنجان القهوة وبدأ بإرتشافها ببطئ.
أغمض نائل عيناه بعدما وجد مقبض الباب يتحرك...اقتربت منه زينب ورغما عنها انسابت دموعها.
التقطت كفه لتمسح عليه برفق